لقاء مع مجلة أهلاً وسهلا من الخطوط السعودية

لقاء مع مجلة أهلاً وسهلاً 2008
لمع اسمه في مجالات عديدة كالأدب ، والتراث، والتاريخ، والجغرافيا …إلا أن عالم الرحلات كان أبرزها جميعاً ، حيث اقترن اسمه بهذا المجال وأصبح علما يشار إليه بالبنان ، وأطلق عليه محبو أدب الرحلات \”عميد الرحالة \” حيث بلغت كتبه في مجال الرحلات أكثر من 171كتاباً ، وطئت قدماه حواضر العالم لتفقد أحوال المسلمين وتفقههم في دينهم .
للنشأة الاجتماعية اثر كبير في الشخصية ،فهل كان لها اثر في اتجاهك لعالم الرحلات؟
كانت النشأة في مدينة بريدة عاصمة منطقة القصيم ،حيث ولدت بها ، وذلك في عام 1345هـ , ولم يكن لنشأتي أي اثر فيما قمت به من الرحلات الخارجية ، وإنما عززت محبتي للرحلات الداخلية في المملكة في منتصف القرن الرابع عشر وما بعده بقليل ، وكانت أحاديث التجار ، وبخاصة تجار الإبل الذين كانوا يتاجرون فيها من القصيم إلى الشام ومصر وفلسطين ،حافزا كبيرا لأى شاب متطلع إلى محبة السفر ، واستكشاف المجهول من البلدان.
قمت بالعديد من الرحلات ،فما الأهداف الرئيسة منها ؟
انتقل عملي من المعهد العلمي في بريدة إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عندما فتحناها في عام 1381ه،وكان نائب الرئيس هو سماحه الشيخ عبدالعزيزبن عبدالله بن باز، رحمه الله ، وكانت وظيفتي ،هي الأمين العام للجامعةوكان نظام الجامعة يقتضي ألا تزيد نسبة الطلاب السعوديين فيها على 20% أما بقية مقاعدها فتخصص كلها للطلاب الذين يفدون من خارج بلادنا ، وبخاصة بلاد الأقليات المسلمة وقد لاحظنا أن بعض المؤسسات والهيئات المسلمة في الخارج ترسل أوراق شهادات دراسية ونحوها من جهات لا نعرفها ، بل تبين لنا أننا بحاجة ماسة إلى معرفة الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في الخارج ،فقررنا أن نبدأ بالقارة الإفريقية عن طريق إرسال وفود إليها على أن تكون البداية بإرسال وفد إلى شرق أفريقيا .
وقد رأى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز أن أكون على رأس ذلك الوفد المؤلف من ثلاثة أشخاص، ووافق الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ،المفتي الأكبر ، ورئيس القضاة رئيس الجامعة الإسلامية على ذلك .وقد شملت الزيارة ثلاثة عشر قطرا أفريقياً ، وكان هدفها الإطلاع على أحوال المسلمين ، وتقدير حاجتهم إلى المنح الدراسية والمساعدات الأخرى .
للرحلة الأولى أجواء خاصة وأصداء في النفس ،فما باكورة رحلاتك ؟ والى أى الأقطار ؟
لم أكن اعلم أن موافقتي على السفر في مهمة رسمية إلي أفريقيا ستكون انطلاقتي الأولى في مجال الرحلات، وان يقترن اسمي بها كباقي أعلام الرحالة العرب أمثال :\”ابن بطوطة، ابن جبرين، ابن فضلان ، وهارون بن يحيى \” وغيرهم .واستطعت عبر رحلاتي العديدة أن أقدم منهجية في مجال تدوين الرحلة ،معتمداً على هدف الرحلة الرئيس ،وهو تفقد أحوال المسلمين في البلد المزور والمرور على المشاهدات العامة والخاصة ، وربط ذلك في نسق معين بما يتفق مع الأنماط والعادات الاجتماعية .
وقد رأت الجامعة الإسلامية وجوب الاعتناء بأفريقيا أكثر من غيرها ،لان الاستعمار والمنصرين ركزوا جهودهم في أفريقيا ، وصد المسلمين عن دينهم ،وعندما ذهبنا فوجئنا ان المعلومات التى عندنا عن المسلمين هناك ، وعن جمعياتهم ومساجدهم وطلبة العلم والدعوة الإسلامية مشجعة ، وبيد أن هناك أموراً مؤسفة وهي كثيرة حقا ، فكتبت جميع ما رايته ، وكان هذا نواة كتبي في مجال الرحلات ،ولم أظن انه سيكون كتابا ،فقد أشار علي بعض الإخوة أن أصدره في كتاب فأصدرته تحت عنوان:\”في افريقيا الخضراء :مشاهدات وانطباعات ، وأحاديث عن الإسلام والمسلمين\”، وقد استقبل الكتاب استقبالا حافلا ، وترجم إلى التركية ، كما ترجم إلى الهندية، أيضاً ، وعدة لغات أخرى ، وهذا شجعني على المضي قدما في كتابة الرحلات التي قمت بها .
تغلب على رحلاتك التي دونتها التقريرية ،والرسمية ،وعدم انتقاء الأماكن في الرحلات ، فلماذا؟
أحب أن أوضح شيئاً مهما ، وهو أنني أختار الأماكن والأقطار التي يوجد فيها المسلمون من الدول الأخرى ، واتصل بالمسؤولين عن العمل الإسلامي فيها من كبار العاملين في الدولة الذين لهم تأثير مميز على العمل الخيري لصالح المسلمين والفكر الإسلامي ،ولا اترك مشاهدة الأماكن السياحية التي تستحق المشاهدة .أما إذا كان السؤال يقصد أننى لم اعمد من رحلاتي انتقاء الأماكن السياحية الترفيهية ، فهذا صحيح لان رحلاتي ليست في الأصل لهذا الغرض .
في رأيكم ،كيف تقرؤون أدب الرحلات في المملكة العربية السعودية ؟
لبلادنا ميزة خاصة ، وهي أنها مهد اللغة العربية ،ومنطلق الدعوة الإسلامية ،ولذلك كان الترحال منها لأغراض إسلامية واجباً وضرورة ملحة . أما أدب الرحلات الذي يقصد منه السفر إلى آية جهة من الجهات لغرض الرحلة ذاتها ، ثم وصف ذلك وصفا أدبيا ،فانه لم ينشأ إلا بعد مدة طويلة ، ربما كان ذلك في القرن الثالث الهجري.
في أسفارك ورحلاتك العديدة ،ما ابرز الغرائب والنوادر التي رايتها ؟
الغرائب نفسها متنوعة ومتعددة وهي على حد قول أبي تمام :
لا إنها الأيام قد صرن كلها عجائب حتى ليس فيها عجائب
فهناك عجائب وغرائب تتعلق بالموقع الجغرافي وبالطقس مثل المناطق القطبية التي لا تغيب عنها الشمس في أيام من العام ، وقد شاهدت ذلك في ثلاثة أماكن احدها مدينة مورمانسك بشمال روسيا ، والثاني في شمال فنلندا، وفي أقصى شمال سيبيريا ،ومنها ما يتعلق بأشكال الناس وألوانهم من حيث طول الأجسام وقصرها ناهيك من الفرق في الطول بين سكان الدول الاسكندينافية الطوال وبين أقزام الكونغو. وهناك عجائب تتعلق بغرائب العادات التي منها عادات قبائل الماساى في شرق أفريقيا الذين يثقب رجالهم أذانهم كما تفعل النساء ، ويثقلونها بما يعلقونه عليها حتى تصل الأذن في تدليها إلى الكتف .
يطلق عليك عميد الرحالة ،فما سبب هذه التسمية؟
صار لفظ\”عميد الشئ \”مصطلحا عاما الآن لمن يكثر من ذلك الشيء ، وبعض الناس يضيف إلى هذا الوصف ويجيد فيه ، وأنا لا ازعم لنفسي انطباق هذا الوصف ، وإن كنت ازعم الإكثار من الرحلات ،لان هذا واقع ، وينبغي أن يلاحظ أن الذين اطلقوا علي هذا الوصف هم بعض المحبين القراء لكتب الرحلات ،ولم تصدر هذه التسمية مني ، ولم أشاور فيها .
لك كتب عديدة في الرحلات ،فما ابرز هذه الكتب ؟
كتبي في الرحلات بلغ عددها 171 كتابا ،طبع منها حتى كتابة هذه السطور 107 كتاباً ، وأبرز هذه الكتب هي \”شهر في غرب افريقية ، بورما الخبر والعيان ،في شمال سيبريا ،جولة في جزائر المحيط الهادئ ،داخل أسوار الصين ،مواطن إسلامية ضائعة ، سطور من المنظور والمأثور في بلاد التكرور، قصة سفر في نيجيريا ، في بلاد المسلمين المنسيين بخارى وما وراء ،نظرات في شمال الهند \”
وقد تناولت في كتاب حديث قيرغيزستان :\”دراسات ومشاهدات ميدانية \” فيه التعريف بجمهورية قير غيزستان ، وعدد المسلمين بها ،والنشاط الإسلامي بها ، ومشاهدات من قازاقستان إلى قيرغيزستان ،وجولة في مدينة اوش ، وزيارة إلى جامع الإمام البخاري حتى مغادرة قيرغيزستان إلى طشقند .وفي كتاب \”الرحلات الهندية \” تناولت زيارة مدينة بومبي ،والتعرف على احوال المسلمين ، والتحدث عن فلسفة الموت والحياة في الهند،واخذت جولة في مدارس، كما تناولت اعتناق الدين الإسلامي في ولاية \”تاميل\”.
وتحدثت عن ألبانيا في كتاب \”كنت في البانيا \”وعن موقعها ،وتحدثت عن الوضع الإسلامي في ألبانيا ،ودخول الإسلام أليها والتعرف على أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها .وفي كتابي \”على قمم جبال الانديز \”، قمت برحلة إلى بيرو والاكوادور، وتحدثت عن بيرو بلاد الحضارة القديمة ،وموقع بيرو في القارة الأمريكية الجنوبية ،ثم جولة في مدينة ليما ثم البحث عن الجمعية الإسلامية والعرب والمسلمين في بيرو ، وصولا إلى بلاد الاكوادور وسط قارة أمريكا الجنوبية.
وقد اتبعت الأسلوب نفسه في كتاباتي الرحلية المعهودة من خلال تتابع المذكرات اليومية ،ووصف الأجناس الأخرى المعروفة ،كما اصف النساء بوجه خاص ،والأنوار والمظاهر الطبيعية، والأنهار، والجبال، والأمطار ،وفصول السنة ،واصف الحيوانات ، وبخاصة اللاما ،واقف عند المطارات ،والفنادق ،والمطاعم ،والأسواق ،والمأكولات والمشروبات ،والفواكه والخضروات وغيرها .
واقف عند القصور ،والبيوت ،والشوارع ،والحدائق ،والمظاهر السكنية والمعمارية الأخرى، وقد أعرج على أخبار ومعلومات تاريخية وجفرافية واثرية ولغوية ،ويقودني هذا دوما إلى ما له صلة بالمعالم العربية والإسلامية.كما تحدثت عن العرب والمسلمين في \”البيرو\” ونشاطهم التجاري ،وأكثرهم من المسيحيين ،والقلة من المسلمين ومجموعهم \”21 ألف نسمة \” ونقل مشاعر العرب والمسلمين هناك.تم تكريمكم من جهات عديدة ، فما ابرز هذه الجهات ؟
كان أبرزها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ،حيث قلدني إياة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في مهرجان الجنادرية في عام 1424ه.فشكرت الله ، تعالى ، وشكرت الذين كرموني على أنهم أحسنوا الظن بي، وبما كتبته من كتب ومؤلفات وما ذكروه ،بما قمت به من جهود ثقافية أخرى ، آمل أن تفيد الناس وتنفعهم في حياتهم .
لك اهتمام بعلم الأنساب والشعر والقصة والرواية ،نأمل التعريج على هذه الجوانب؟
أي شخص ينوي القيام بعمل مميز لا بد له من الاستعداد الجيد لهذا العمل وأن ينميه ويستمر فيه ،ويطور أفكاره ليصل إلى مبتغاه فوالدي ، رحمه الله ،كان مهتما بحب المعرفة وبأحوال الأسر وتفرعاتها .
وعندما كتبت كتابي \”معجم بلاد القصيم \”الذي صدر في ستة مجلدات ،لاحظت أن كثيرا من بلدانه ،وقراه قامت في الأصل على جهود أسرة واحدة أو مجموعة صغيرة من الأسر ، فكان لابد لذلك من البحث في أحوال تلك الأسر، وهذا ما حداني في البداية إلى الاهتمام بالأنساب،فالفت كتابا موسعا ،فيما يتعلق بأسر القصيم ، وانتهيت من صف القسم المتعلق بأسر بريدة في عشرين مجلدا ،وبقيت هناك كتب أخرى عن أنحاء أخرى من القصيم ،وهو يبحث في أحوال الأسر من حيث معرفة أحوالهم ومواطنهم قبل أن يستوطنوا بريدة وعن البارزين من رجالهم وإخبارهم وإشعارهم، وما خلفوه من آثار فكرية الخ .
وأما القصص والرواية ،فإن الأديب أو من يميل بطبيعته إلى الأدب تستهويه في العادة الفنون الأدبية الأخرى التي يستطيع الإسهام فيها ، وارجوا ان أنبهكم والقراء الكرام إلى أن كلامي عن كتبي ومؤلفاتي لا يتضمن إلا الإخبار عنها ،أما قيمتها الأدبية وفائدتها للقراء فتقدير ذلك راجع للقراء والنقاد ،فقد كتبت عددا من الكتب في القصص ورواية واحدة تقع في 400 صفحة.
لك اهتمام بالتاريخ ،وقد كتبت المعجم الجغرافي في القصيم ،فما قصة هذا المعجم ؟
لتأليف المعجم الجغرافي لبلاد القصيم قصة مع الشيخ حمد الجاسر ، رحمه الله ،فقد كان مهتماً بالجغرافيا والبحث الدؤوب فيها ، وأعلن انه بصدد تأليف معجم جغرافي للمملكة ، وعرض ذلك على الملك فيصل ، رحمهما الله ، فشجعه على ذلك، بل طلب منه أن يخبره إذا تم ونظرا لسعة بلادنا ، وكثرة الموارد ، والجبال ، والهجر التي يستقر فيها الأعراب بعد أن تركوا حياة التنقل والترحال ، بل وتشابه أسماء بعضها ، فقد رأى الشيخ حمد الجاسر أن يتولى الأمر عدد من الباحثين يكلف كل واحد أن يكتب عن منطقته ،فكانت النتيجة أن كتبت أنا عن بلاد القصيم،لأنني من أهلها وخرج المعجم على ما هو عليه الآن .